فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.ومن أسمائه العظيم:

الحادي والثلاثون: العظيم:
{وَلَقَدْ ءاتيناك سَبْعًا مّنَ المثاني والقرءان العظيم} [الحجر: 87] اعلم أنه تعالى سمى نفسه عظيمًا فقال: {وَهُوَ العلى العظيم} [البقرة: 255] وعرشه عظيما {وَهُوَ رَبُّ العرش العظيم} [التوبة: 129] وكتابه عظيمًا {والقرآن العظيم} [الحجر: 87] ويوم القيامة عظيمًا {لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبّ العالمين} [المطففين: 5- 6] والزلزلة عظيم {وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيم} [القلم: 4] والعلم عظيمًا {وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113] وكيد النساء عظيمًا {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف: 28] وسحر سحرة فرعون عظيمًا {وَجَاءو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 116] وسمي نفس الثواب عظيما {وَعَدَ الله الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29] وسمى عقاب المنافقين عظيمًا {وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ} [البقرة: 7].

.ومنها المبارك:

الثاني والثلاثون: المبارك:
{وهذا ذِكْرٌ مُّبَارَك} [الأنبياء: 50] وسمى الله تعالى به أشياء، فسمي الموضع الذي كلم فيه موسى عليه السلام مباركًا {فِى البقعة المباركة مِنَ الشجرة} [القصص: 30] وسمى شجرة الزيتون مباركة {يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مباركة زَيْتُونَةٍ} [التوبة: 35] لكثرة منافعها، وسمي عيسى مباركا {وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا} [مريم: 31] وسمى المطر مباركًا {وَنَزَّلْنَا مِنَ السماء مَاء مباركا} [ق: 9] لما فيه من المنافع، وسمي ليلة القدر مباركة {إِنَّا أنزلناه في لَيْلَةٍ مباركة} [الدخان: 3] فالقرآن ذكر مبارك أنزله ملك مبارك في ليلة مباركة على نبي مبارك لأمة مباركة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

و{الكتاب} فِعال بمعنى المكتوب إما مصدر كاتَب المصوغ للمبالغة في الكتابة، فإن المصدر يجئ بمعنى المفعول كالخَلق، وإما فعال بمعنى مَفعول كلِباس بمعنى ملبوس وعِماد بمعنى مَعمود به.
واشتقاقه من كَتَب بمعنى جمع وضم لأن الكتاب تجمع أوراقه وحروفه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكتابة كل ما ينزل من الوحي وجعل للوحي كتابًا، وتسمية القرآن كتابًا إشارة إلى وجوب كتابته لحفظه.
وكتابة القرآن فرض كفاية على المسلمين. اهـ.

.فصل في اتصال {الم} بقوله: {ذلك الكتاب}:

قال الفخر:
قال صاحب الكشاف: إن جعلت {الم} اسمًا للسورة ففي التأليف وجوه:
الأول: أن يكون {الم} مبتدأ و{ذلك} مبتدأ ثانيًا و{الكتاب} خبره والجملة خبر المبتدأ الأول، ومعناه أن ذلك هو الكتاب الكامل، كأن ما عداه من الكتب في مقابلته ناقص، وإنه الذي يستأهل أن يكون كتابًا كما تقول: هو الرجل، أي الكامل في الرجولية الجامع لما يكون في الرجال من مرضيات الخصال، وأن يكون الكتاب صفة، ومعناه هو ذلك الكتاب الموعود، وأن يكون {الم} خبر مبتدأ محذوف أي هذه {الم} وَيَكُونَ {ذلك الكتاب} خبرًا ثانيًا أو بدلًا على أن الكتاب صفة، ومعناه هو ذلك، وأن تكون هذه {الم} جملة و{ذلك الكتاب} جملة أخرى وإن جعلت {الم} بمنزلة الصوت كان {ذلك} مبتدأ وخبره {الكتاب} أي ذلك الكتاب المنزل هو الكتاب الكامل، أو الكتاب صفة والخبر ما بعده أو قدر مبتدأ محذوف، أي هو يعني المؤلف من هذه الحروف ذلك الكتاب وقرأ عبد الله {الم تَنزِيلُ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ} [السجدة: 2] وتأليف هذا ظاهر. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {لا ريب فيه}:

.قال الفخر:

الريب قريب من الشك، وفيه زيادة، كأنه ظن سوء تقول رابني أمر فلان إذا ظننت به سوء، ومنها قوله عليه السلام: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» فإن قيل: قد يستعمل الريب في قولهم: ريب الدهر وريب الزمان أي حوادثه قال الله تعالى: {نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون} [الطور: 30] ويستعمل أيضًا في معنى ما يختلج في القلب من أسباب الغيظ كقول الشاعر:
قضينا من تهامة كل ريب ** وخيبر ثم أجمعنا السيوفا

قلنا: هذان قد يرجعان إلى معنى الشك، لأن ما يخاف من ريب المنون محتمل، فهو كالمشكوك فيه، وكذلك ما اختلج بالقلب فهو غير متيقن، فقوله تعالى: {لاَ رَيْبَ فِيهِ} المراد منه نفي كونه مظنة للريب بوجه من الوجوه، والمقصود أنه لا شبهة في صحته، ولا في كونه من عند الله، ولا في كونه معجزًا.
ولو قلت: المراد لا ريب في كونه معجزًا على الخصوص كان أقرب لتأكيد هذا التأويل بقوله: {وَإِن كُنتُمْ في رَيْبٍ مّمَّا نَزَّلْنَا على عَبْدِنَا} [البقرة: 23] وها هنا سؤالان:
السؤال الأول: طعن بعض الملحدة فيه فقال: إن عني أنه لا شك فيه عندنا فنحن قد نشك فيه، وإن عنى أنه لا شك فيه عنده فلا فائدة فيه.
الجواب: المراد أنه بلغ في الوضوح إلى حيث لا ينبغي لمرتاب أن يرتاب فيه، والأمر كذلك؛ لأن العرب مع بلوغهم في الفصاحة إلى النهاية عجزوا عن معارضة أقصر سورة من القرآن، وذلك يشهد بأنه بلغت هذه الحجة في الظهور إلى حيث لا يجوز للعاقل أن يرتاب فيه.
السؤال الثاني: لم قال هاهنا: {لاَ رَيْبَ فِيهِ} وفي موضع آخر {لاَ فِيهَا غَوْلٌ} [الصافات: 47]؟ الجواب: لأنهم يقدمون الأهم فالأهم، وههنا الأهم نفي الريب بالكلية عن الكتاب، ولو قلت: لا فيه ريب لأوهم أن هناك كتابًا آخر حصل الريب فيه لا ها هنا، كما قصد في قوله: {لاَ فِيهَا غَوْلٌ} تفضيل خمر الجنة على خمور الدنيا، فإنها لا تغتال العقول كما تغتالها خمرة الدنيا السؤال الثالث: من أين يدل قوله: {لاَ رَيْبَ فِيهِ} على نفي الريب بالكلية؟ الجواب: قرأ أبو الشعثاء {لاَ رَيْبَ فِيهِ} بالرفع.
واعلم أن القراءة المشهورة توجب ارتفاع الريب بالكلية، والدليل عليه أن قوله: {لاَ رَيْبَ} نفي لماهية الريب ونفي الماهية يقتضي نفي كل فرد من أفراد الماهية، لأنه لو ثبت فرد من أفراد الماهية لثبتت الماهية، وذلك يناقض نفي الماهية، ولهذا السر كان قولنا: لا إله إلا الله نفيًا لجميع الآلهة سوى الله تعالى.
وأما قولنا: {لا ريب فيه} بالرفع فهو نقيض لقولنا: {ريب فيه} وهو يفيد ثبوت فرد واحد، فذلك النفي يوجب انتفاء جميع الأفراد ليتحقق التناقض. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {لاَ رَيْبَ} نفي عام، ولذلك نُصب الريب به.
وفي الرّيْب ثلاثة معان:
أحدها: الشك؛ قال عبد اللَّه بن الزِّبَعْرَى:
ليس في الحق يا أُمَيْمَةُ ريْبٌ ** إنما الرَّيبُ ما يقول الجهول

وثانيها: التُّهَمَة؛ قال جَمِيل:
بُثَينةُ قالت يا جَميلُ أَرَبْتَنِي ** فقلت كلاَنا يابثين مُريب

وثالثها: الحاجة؛ قال:
قضينا من تِهَامةَ كلَّ ريْب ** وخَيْبَرَ ثم أَجْمَعْنَا السيوفا

فكتاب الله تعالى لا شك فيه ولا ارتياب؛ والمعنى: أنه في ذاته حق وأنه منزل من عند الله، وصفة من صفاته، غير مخلوق ولا مُحْدَث، وإن وقع ريب للكفار.
وقيل: هو خبر ومعناه النهي؛ أي لا ترتابوا، وتم الكلام كأنه قال ذلك الكتاب حقًا.
وتقول: رابني هذا الأمرُ إذا أدخل عليك شكًا وخوفًا.
وأراب: صار ذا رِيبة؛ فهو مُرِيب.
ورابني أمره.
ورِيَبُ الدهر: صروفه. اهـ.

.قال أبو حيان:

وسمعت الأستاذ أبا جعفر بن إبراهيم بن الزبير شيخنا يقول: ذلك إشارة إلى الصراط في قوله: {اهدنا الصراط} كأنهم لما سألوا الهداية إلى الصراط المستقيم قيل لهم: ذلك الصراط الذي سألتم الهداية إليه هو الكتاب.
وبهذا الذي ذكره الأستاذ تبين وجه ارتباط سورة البقرة بسورة الحمد، وهذا القول أولى لأنه إشارة إلى شيء سبق ذكره، لا إلى شيء لم يجر له ذكر، وقد ركبوا وجوهًا من الإعراب في قوله: {ذلك الكتاب لا ريب فيه}.
والذي نختاره منها أن قوله: {ذلك الكتاب} جملة مستقلة من مبتدأ وخبر، لأنه متى أمكن حمل الكلام على غير إضمار ولا افتقار، كان أولى أن يسلك به الإضمار والافتقار، وهكذا تكون عادتنا في إعراب القرآن، لا نسلك فيه إلا الحمل على أحسن الوجوه، وأبعدها من التكلف، وأسوغها في لسان العرب.
ولسنا كمن جعل كلام الله تعالى كشعر امرئ القيس، وشعر الأعشى، يحمله جميع ما يحتمله اللفظ من وجوه الاحتمالات.
فكما أن كلام الله من أفصح كلام، فكذلك ينبغي إعرابه أن يحمل على أفصح الوجوه، هذا على أنا إنما نذكر كثيرًا مما ذكروه لينظر فيه، فربما يظهر لبعض المتأملين ترجيح شيء منه، فقالوا: يجوز أن يكون ذلك خبر المبتدأ محذوف تقديره هو ذلك الكتاب، والكتاب صفة أو بدل أو عطف بيان، ويحتمل أن يكون مبتدأ وما بعده خبرًا.
وفي موضع خبر {الم} {ولا ريب} جملة تحتمل الاستئناف، فلا يكون لها موضع من الإعراب، وأن تكون في موضع خبر لذلك، والكتاب صفة أو بدل أو عطف أو خبر بعد خبر، إذا كان الكتاب خبرًا، وقلت بتعدد الأخبار التي ليست في معنى خبر واحد، وهذا أولى بالبعد لتباين أحد الخبرين، لأن الأول مفرد والثاني جملة، وأن يكون في موضع نصب أي مبرأ من الريب، وبناء ريب مع لا يدل على أنها العاملة عمل إن، فهو في موضع نصب ولا وهو في موضع رفع بالابتداء، فالمرفوع بعده على طريق الإسناد خبر لذلك المبتدأ فلم تعمل حالة البناء إلا النصب في الاسم فقط، هذا مذهب سيبويه.
وأما الأخفش فذلك المرفوع خبر للا، فعملت عنده النصب والرفع، وتقرير هذا في كتب النحو.
وإذا عملت عمل إن أفادت الاستغراق فنفت هنا كل ريب، والفتح هو قراءة الجمهور.
وقرأ أبو الشعثاء: {لا ريب فيه} بالرفع، وكذا قراءة زيد بن علي حيث وقع، والمراد أيضًا هنا الاستغراق، لا من اللفظ بل من دلالة المعنى، لأنه لا يريد نفي ريب واحد عنه، وصار نظير من قرأ: {فلا رفث ولا فسوق} بالبناء والرفع، لكن البناء يدل بلفظه على قضية العموم، والرفع لا يدل لأنه يحتمل العموم، ويحتمل نفي الوحدة، لكن سياق الكلام يبين أن المراد العموم، ورفعه على أن يكون ريب مبتدأ وفيه الخبر، وهذا ضعيف لعدم تكرار لا، أو يكون عملها إعمال ليس، فيكون فيه في موضع نصب على قول الجمهور من أن لا إذا عملت عمل ليس رفعت الاسم ونصبت الخبر، أو على مذهب من ينسب العمل لها في رفع الاسم خاصة، وأما الخبر فمرفوع لأنها وما عملت فيه في موضع رفع بالابتداء كحالها إذا نصبت وبني الاسم معها، وذلك في مذهب سيبويه، وسيأتي الكلام مشبعًا في ذلك عند قوله تعالى: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} وحمل لا في قراءة لا ريب على أنها تعمل عمل ليس ضعيف لقلة إعمال لا عمل ليس، فلهذا كانت هذه القراءة ضعيفة.
وقرأ الزهري، وابن محيصن، ومسلم بن جندب، وعبيد بن عمير، فيه: بضم الهاء، وكذلك إليه وعليه وبه ونصله ونوله وما أشبه ذلك حيث وقع على الأصل.
وقرأ ابن أبي إسحاق: فهو بضم الهاء ووصلها بواو، وجوزوا في قوله: أن يكون خبرًا للا على مذهب الأخفش، وخبرًا لها مع اسمها على مذهب سيبويه، أن يكون صفة والخبر محذوف، وأن يكون من صلة ريب بمعنى أنه يضمر عامل من لفظ ريب فيتعلق به، إلا أنه يكون متعلقًا بنفس لا ريب، إذ يلزم إذ ذاك إعرابه، لأنه يصير اسم لا مطولًا بمعموله نحو لا ضاربًا زيدًا عندنا، والذي نختاره أن الخبر محذوف لأن الخبر في باب لا العاملة عمل إن إذا علم لم تلفظ به بنو تميم، وكثر حذفه عند أهل الحجاز، وهو هنا معلوم، فاحمله على أحسن الوجوه في الإعراب، وإدغام الباء من لا ريب في فاء فيه مروي عن أبي عمرو، والمشهور عنه الإظهار، وهي رواية اليزيدي عنه.
وقد قرأته بالوجهين على الأستاذ أبي جعفر بن الطباع بالأندلس، ونفي الريب يدل على نفي الماهية، أي ليس مما يحله الريب ولا يكون فيه، ولا يدل ذلك على نفي الارتياب لأنه قد وقع ارتياب من ناس كثيرين.
فعلى ما قلناه لا يحتاج إلى حمله على نفي التعليق والمظنة، كما حمله الزمخشري، ولا يرد علينا قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب} لاختلاف الحال والمحل، فالحال هناك المخاطبون، والريب هو المحل، والحال هنا منفي، والمحل الكتاب، فلا تنافي بين كونهم في ريب من القرآن وكون الريب منفيًا عن القرآن.
وقد قيد بعضهم الريب فقال: لا ريب فيه عند المتكلم به، وقيل هو عموم يراد به الخصوص، أي عند المؤمنين، وبعضهم جعله على حذف مضاف، أي لا سبب فيه لوضوح آياته وإحكام معانيه وصدق أخباره.
وهذه التقادير لا يحتاج إليها.
واختيار الزمخشري أن فيه خبر، وبذلك بني عليه سؤالًا وهو أن قال: هلا قدم الظرف على الريب كما قدم على القول في قوله تعالى: {لا فيها غول} وأجاب: بأن التقديم يشعر بما يبعد عن المراد، وهو أن كتابًا غيره فيه الريب، كما قصد في قوله: {لا فيها غول} تفضيل خمر الجنة على خمور الدنيا بأنها لا تغتال العقول كما تغتالها هي، كأنه قيل ليس فيها ما في غيرها من هذا العيب والنقيصة.
وقد انتقل الزمخشري من دعوى الاختصاص بتقديم المفعول إلى دعواه بتقديم الخبر، ولا نعلم أحدًا يفرق بين: ليس في الدار رجل، وليس رجل في الدار، وعلى ما ذكر من أن خمر الجنة لا يغتال، وقد وصفت بذلك العرب خمر الدنيا، قال علقمة بن عبدة:
تشفي الصداع ولا يؤذيك طالبها ** ولا يخالطها في الرأس تدويم

وأبعد من ذهب إلى أن قوله: {لا ريب} صيغة خبر ومعناه النهي عن الريب. اهـ.